Translate

|| خارج التغطية ••

مقالات الكاتب: علي بطيح العُمري

السبت، 13 سبتمبر 2025

العيش بيد واحدة!

 

العيش بيد واحدة!

علي بطيح العمري

هل تخيلت أن تعيش بيد واحدة؟

ستجد صعوبة في أن تستغني عن عضو من أعضائك، ستشعر بألم الفراق (المؤقت).. ستواجه صعوبات في ممارسة عاداتك اليومية، عند الوضوء والاغتسال وعند قيادة السيارة، وعند تصفح الجوال وتقليب الأوراق، لكن سبحان الله ما أسرع تكيف الإنسان مع وضعه الجديد، سيبتكر طرقا جديدة لممارسة يومياته، وشيئا فشيئا سيعتاد على الحياة الجديدة.

 

أكنب هذا الكلام بعد أن تعرضت لكسر مؤلم في (سبابة) يدي، فأحيل أصبعي إلى السجن مع أخيه المجاور وبقيا حبيسين في الجبيرة.

ومن خلال حادثة (أصبعي العزيز) ظهرت لي دروس فوراء  كل ابتلاء درس وخلف كل ألم حكمة..

 

* فرق شاسع بين تعاطي المستشفى الحكومي والمستشفى الخاص كما الفرق بين الثرى والثريا لا من حيث العلاج ولا من حيث الوقت والإنجاز.  لا تزال المستشفيات الحكومية - أو خلوني أقول بعض حتى لا أقع في شراك التعميم -، لا تزال بعض المستشفيات تسير ببطء السلحفاة، فما الذي يمنعها من الاختصار وسرعة الإنجاز؟

 

* وأنت حين تشعر بمرارة توقف عضو مفاجئ، تتذكر نعم الله المألوفة التي ربما لم تشكر منعمها، وهناك نعم كثيرة مألوفة نعيشها ولن نشعر بقيمتها الا عند فقدها، فاللهم إنا نشكرك على كل نعمة ونستغفرك في نسيانها والغفلة عن قيمتها.

 

* المصائب تجعلك أكثر قربًا لله، فالدعاء من أعظم العبادات والصبر نصف الإيمان، وفي معتزلك تتاح لك عبادات لم نتفرغ لها يومًا.

 

* في حال المرض قد لا نؤدي العبادات على وجهها الصحيح، والمرء هنا معذور، والدين يسر، لكن لنتذكر عبادات فرطنا فيها ونحن بكامل قوانا، أو فوتنا على أنفسنا أشياء كان من الممكن فعلها وقت الرخاء.

 

* هناك ما يمكن أن أسميه الاستثمار للمستقبل، استثمار أعمال صالحة، تأمل معي هذا الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل مقيما صحيحا"، وهذا يعني أن الإنسان إذا كان من عادته أن يعمل عملًا صالحًا حال صحته ثم مرض فلم يقدر على الإتيان به فإنه يكتب له الأجر كاملًا، كما لو عمله في حال الصحة.

 

 

* قفلة

قال أبو البندري غفر الله له:

وراء كل محنة منحة وخلف كل ضيق فرجا.. فاللهم صبرًا على ما لم نحط به خبرا.

ولكم تحياتي،،،

___________________________________________

·        كاتب صحفي

 

للتواصل

تويتر: @alomary2008

إيميل: alomary2008@gmail.com

نشر في اليوم، الأربعاء 25 /8/ 1445 – 6 /3/ 2024

الحب من منظار شيخ

 

الحب من منظار شيخ

علي بطيح العُمري

يحلو الحديث دوما عن الحب، فالحديث عنه حديث شائق لكل طبقات المجتمع.. المراهق يستمتع عند الحديث عنه، والشاب يهوى الحديث فيه، والشيخ يرى نفسه خبيرا به. وأظن أن أفضل من تحدث عن الحب هو الشيخ علي الطنطاوي شيخ الأدباء وأديب الفقهاء رحمه الله فكتبه تنضح بالحديث عن الحب.

 

يقول الطنطاوي في كتابه صور وخواطر:

ما في الحب شيء ولا على المحبّين من سبيل، إنّما السبيل على من ينسى في الحبّ دينه أو يضيّع خلقه، أو يشتري بلذّة لحظة في الدنيا عذاب ألف سنة في جهنّم"، إذاً علينا أن نعلم أنّ المشكلة لا تكمن في الحبّ بل في استخدامكَ له.  ويقول: لولا الحب ما التف الغصن على الغصن في الغابة النائية، ولا عطف الظبي على الظبية، ولا حنى الجبل على الرابية".

 

ويجيب الطنطاوي عن سؤال في علاقة الزواج والحب.. فيقول في كتابه مع الناس: لا يصح بناء الزواج على الحب وحده إلا إذا صح بناء عمارة ضخمة غلى أساس من الملح في مجرى الماء. يبنى الزواج على التوافق في التفكير، والسلوك والوضع الاجتماعي والحالة المادية.. ثم يأتي دور العاطفة فينظر إليها وتنظر إليهـ فإذا ألقى الله في قلب كل منهما الميل إلى الآخر، صار هذا الميل مع الزواج حبا هادئا مستمرا".

 

ويقول الطنطاوي أيضا:

وما الحب - مهما زخرفه الشعراء وزوقه الأدباء - إلا رغبة في الاتصال الجنسي لم تجد طريقها، إن الحب العذري الشريف حديث خرافة لا تروج سوقه إلا على الشباب والمجانين".

 

وعاب شيخ على الطنطاوي كيف له أن يتحدث عن الحب وهو القاضي والشيخ، فالشيوخ يعرضون عن الغزل، فرد عليه الطنطاوي بقوله: أما قرأت مرة عن قصص الحب أو أخباره فأحسست بمثل النار تمشي في أعصابك وبمثل جناح الطير يخفق في قلبك؟ أما رأيت في الحياة مشاهد البؤس وأبصرت في الكون روائع الجمال؟"، ويقصد الطنطاوي أن النفس البشرية مجبولة على الخير والحب والاحساس بالجمال لا فرق في ذلك بين كبير وصغير ولا شاب ولا شيخ وفقيه.

 

* قفلة

قال أبو البندري غفر الله له:

من مشاكل الإنسان؛ أن يبحث عن الحب في غير (مكانه)..

فيظل يتشوف له من وراء الجدران أو من خلف الشاشات!

ولكم تحياتي،،،

___________________________________________

·        كاتب صحفي

 

للتواصل

تويتر: @alomary2008

إيميل: alomary2008@gmail.com

نشر في اليوم، الأربعاء 18 /8/ 1445 – 28 /2/ 2024

 

رؤيا الملك

 

رؤيا الملك

علي بطيح العُمري

رأى ملك مصر رؤيا أزعجته وأقضت مضجعه، رأى سبع بقرات سمان وسبع بقرات عجاف، وتقوم البقرات العجاف بالتهام وابتلاع البقرات السمان، ثم رأى سبع سنابل خضراء مقابل سبع يا بسات فتلتف اليابسات على الخضراوات.

قص الملك رؤياه على الناس، وصارت حديث المجالس، وحار الناس في تعبيرها.

هنا انبرى أحد الخدم في قصر الملك وأخبرهم أن هناك رجل في السجن يعبر الرؤى.

ذهب الرجل الى يوسف السجين بأمر الملك ليعرف تعبير الرؤيا، فأخبره يوسف بأن هناك سبع سنوات رخاء ووفرة ستمر بها مصر ثم يأتي بعدها سبع سنوات يحصل فيها الجدب والقحط.

عبرها عليه السلام وأشار لهم بما يفعلونه من التدبير لمواجهة الجدب والشدة، فقال: (تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا) أي: تزرعون سبع سنين متتابعات، (فَمَا حَصَدْتُمْ) من تلك الزروع (فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ) أي: اتركوه في السنابل منعا للتسوس، (إِلا قَلِيلا مِمَّا تَأْكُلُونَ) أي: إلا قليلا مما تحتاجونه للأكل من الحبوب.

(ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ) أي: بعد تلك السنين السبع المخصبات (سَبْعٌ شِدَادٌ) أي: مجدبات جدا (يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ) أي: يأكل الناس فيها جميع ما ادخر في السنين المخصبة، (إِلا قَلِيلا مِمَّا تُحْصِنُونَ) أي مما تحفظونه من البذور، حتى يزرع بعد سنين الجدب والشدة.

 

سر الملك بتعبير الرؤيا.. وطلب احضار يوسف الذي رفض الخروج حتى يحقق في قضية الزج به في السجن على يد زليجة التي راودته وصديقاتها. وفعلا حقق الملك في القضية واعترف النسوة بطهارة يوسف ليخرج أمام الملأ بريئا.

وفي لقائه بالملك طلب منه يوسف أن يجعله على خزائن مصر، ليقوم برؤيته الاقتصادية لإخراج مصر من خطر المجاعة والجدب الذي ستتعرض له، ليكون يوسف هو عزيز مصر الجديد بدلا من عزيزها السابق "زوج زليخة".

 

ومن تلك القصة نتعلم:

* أن الزمان يتقلب والدنيا دوارة.. فقد يمسي المرء رجلا عاديا ثم يصبح صاحب منصب عال أو مكانة رفيعة، فلا تحتقر ولا تتعالى على أحد.

 

* في الإسلام نهى الرسول – عليه الصلاة والسلام - عن سؤال الامارة – المنصب – فقال لرجل:  لا تسأل الإمارة، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها.. لكن يوسف طلب الإمارة لما قال للملك: "اجعلني على خزائن الأرض".

هنا تظهر الموازنة بين الآية والحديث.. إن كنت لا تقدر وغير مؤهل فلا تطلب المناصب دعها لأهلها أما إن كنت مؤهلا لتقوم بها فلا بأس من طلبها، فملء المناصب بالأخيار خير للعباد.

 

* الفساد يكون غالبا من سوء الإدارة لا من قلة الموارد، فيوسف نجا بأهل مصر من القحط لم يأت لهم بموارد جديدة، وإنما بعقلية جديدة لإدارة الموارد الموجودة.

 

* الله دوما يختار سلاحا لنصر المظلومين لا يخطر على بال أحد، كان سبحانه قادرا أن يرسل ملائكة تحطم أسوار السجن ويخرج يوسف.. لكن سلاح المعركة هنا كان حلما ورؤيا.

 

* طريقة التعامل في الرخاء ووقت السعة تختلف عن وقت الشدائد وأوقات الأزمات، وما كان بالأمس مناسباً، قد يكون الاستمرار عليه اليوم وبالا وهلاكا.

 

* "قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُون".. في وجود الأزمات الاقتصادية يكون الادخار أعلى من الانفاق (فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون)، وللأسف الناس لا يبالون وقت الرخاء، فيصرفون أموالهم دون حساب.

 

 

* قفلة

قال أبو البندري غفر الله له:

الادخار ثقافة.

ولكم تحياتي،،،

هلك "النرجسيون"!

 

هلك "النرجسيون"!

علي بطيح العُمري

أظن – وليس بعض الظن بإثم – أن الشخصية "النرجسية" أو الشخص "النرجسي" من أسوأ الدواب التي تمشي على الأرض؛ لأن "النرجسي" يجمع بين غثاثة القول وثقالة السلوك وسوء الفكر.

 

"النرجسية" في أبسط معانيها تعني الأنانية وحب الذات المفرط، وهذا الغلو في تعظيم الذات يقود إلى الكبر والغرور والتعالي على الناس، وهي أخلاق يحرمها الإسلام ويكرهها الناس.

 

كيف تعرف الشخص "النرجسي"؟

إنه شخص مصاب بداء العظمة وتورم الذات.. يحتاج إلى المدح الدائم ولولم يعمل شيئًا.. لا يراعي مشاعر الناس.. يعتقد أنه دومًا على صواب ولا يعترف بالنقد ولا يكترث برأي الآخرين.. درجة "الحسد" عنده عالية، لأنه يرى أنه المستحق لأي إنجاز.. يتحدث عن نفسه وأعماله بكثرة.. يحب نقد الناس فلا شيء يعجبه.. يستغل الآخرين بلا رحمة.. وعلم النفس يقول: النرجسي يحاول يرسم صورة عن نفسه، ليعوض النقص الحاصل فيها.

تلك الصفات ليست بالضرورة تجتمع كلها، فمن اجتمع فيه أكثرها فهو "نرجسي" خالص "النرجسة" ومن كانت فيها خصلة منها ففيه شعبة من "النرجسة".

قال العقلاء في "النرجسية":

* "محمد علي كلاي" قال عنها: النرجسية هي عبء يحمله الشخص على عاتقه، فكن متواضعًا لتحرر نفسك.

وقال:  "جان جاك روسو": النرجسية تغطي العقل وتعكس الشخص في مرآة وهمية لا يستطيع أن يرى من خلالها حقيقته.

وفي سنة محمد – عليه الصلاة والسلام –  تحذير شديد من الكبر، وحث على الإيثار ونبذ الأنانية، ودعوة إلى التواضع.

 

خطر النرجسيين ليس فقط على الناس بل حتى على أنفسهم، قرأت في مقال طبي: إنه يصعب علاج "النرجسي"؛ لأنه لا يعترف بخطئه، ويرى نفسه أنه الأفضل، وإقناع هذا الكائن بأن لديه مشكلة أمر صعب.. إذن فمحاولة مناصحة "النرجسي" قد لا تفيد، لأنه لا يرى عيوبه وهنا المشكلة، لذا ابتعد عن هذه الكائنات التي لا يجدي معها حتى الحوار.

 

الأمر المفرح والسار في شأن "النرجسيين" هو أن مستوى "النرجسية" ينخفض مع تقدم العمر، فكلما تقدم الإنسان "النرجسي" في العمر تراجعت نرجسيته.. وهذا يعني أن "النرجسي" سيفيق يوم ما ويكتشف أن نرجسيته كانت هلامية!

 

 

* قفلة

قال أبو البندري غفر الله له:

أكبر مصيبة حينما تكتشف أنك قطعت شوطًا كبيرًا في الطريق الخطأ.

ولكم تحياتي،،،

___________________________________________

·        كاتب صحفي

 

للتواصل

تويتر: @alomary2008

إيميل: alomary2008@gmail.com

نشر في اليوم، الأربعاء 4 /8/ 1445 – 14 /2/ 2024

ذئب يحلب "نملة"!!

 

ذئب يحلب "نملة"!!

علي بطيح العُمري

بعيني رأيت ذئباً يحلب نملة

ويشربُ منها رَائباً وحليبًا!

البيت السابق من الأبيات الشعرية التي يتداولها الناس، وقد قيل عنه إنه أكذب بيت؛ لأنه لا يوجد ذئب يحلب نملة، ولا حليب في النملة حتى تُحلب، وقيل إنه أصدق بيت؛ لأنه يصور مشهداً رآه الشاعر ويتكرر في حياتنا.

البيت السابق لأحد قامات الشعراء العرب في عصر الدولة العباسية؛ إنه أبو الطيب المتنبي.

 

وإذا عرف السبب بطل العجب، يقول المتنبي:

كنت في أحد أسواق الكوفة واقفا قرب امرأة فقيرة تبيع السمك، فجاء رجل غني جدا أنا أعرفه ويرتدي ملابس غالية تدل على الغنى الفاحش. قال للمرأة: بكم رطل السمك؟ فقالت: بخمسة دراهم يا سيدى.. قال لها بتكبر: بل بدرهم للرطل، فقالت باستعطاف: أنا امرأة فقيرة، والسمك ليس لي بل لرجل أبيعه فيعطيني ما قسم الله، فقال باستعلاء: بل بدرهم، فقالت المرأة بقلة حيلة: بل بخمسة دراهم، فقال الرجل باستخفاف: أوزني لي عشرة، فأعدت له المسكينة عشرة أرطال على أمل أن تحظى بثمنها، فأخذها الرجل منها بقسوة ورمى عليها عشرة دراهم وذهب مسرعا، فنزلت دموعها وأخذت تنادى عليه فلم يجب، يقول المتنبي: فناديت عليه بنفسي فلم يجب، لقد كان ذئباً في غناه ولؤمه، وكانت نملة في ضعفها، وأنشد بيته السابق.

 

قارئي العزيز لا تظن أن سالفة "حلب النملة" لا وجود لها.. هي تتكرر في العالم اليوم بطريقة أو بأخرى..

خذ مثلا من يكاسر وينشف "ريق" بائع الحبحب الذي يعمل تحت لهب الشمس، وفي المقابل تلقى هذا المكاسر يشتري الماركات بلا مكاسرة، ويدفع في فنجان قهوة العشرين ريالا وربما أعطى العامل بخشيشا.

لا تنس من يستقوي ويهضم حقوق البنات واليتامى في المواريث.

الذئاب ليست أفرادًا فقط قد تكون دولاً تلتهم وتحتل دولًا أخرى..

 

هذا ما يحدث اليوم، ويحدث العكس أيضًا، فلم يعد المشتري فقط من يستغل البائع، ففي حالات صار البائع يفترس "المشتري"، فالشركات والتجار يرفعون أسعار سلعهم متى ما أرادوا.

"النمل البشري" كثير في عالمنا، والذئاب مستعدة تحلبه دون أدنى تفكير في عواقب الظلم.

 

* قفلة

قال أبو البندري غفر الله له:

حقوق الناس خط أحمر، فاحذر أن يشتكيك أحد إلى الله.

ولكم تحياتي،،،

___________________________________________

·        كاتب صحفي

 

للتواصل

تويتر: @alomary2008

إيميل: alomary2008@gmail.com

نشر في اليوم، الأربعاء 26 /7/ 1445 – 7 /2/ 2024

 

نهينا عن التكلف

 

نهينا عن التكلف

علي بطيح العُمري

ما أجمل البساطة، والبسطاء!

وما أقبح التكلف والمتكلفين!

في عصرنا طغت المادية على بساطة الحياة فبات التكلف سمة للكثير إلا من رحم الله.

ولو قارنا بين الحاضر والماضي، لوجدنا أن جودة الحياة اليوم أفضل من حيث الخدمات والتقنية ووسائل الراحة، وفي الماضي أروع من حيث البساطة وعدم التكلف، ورخص المعيشة.

 

زماننا اليوم عصر تكلف بكل معانيه، يخيل إليك أن الناس في سباق "ماراثوني" نحو التكلف والمغالاة في كل شيء..

تكلف في العيش واقبال غير طبيعي على الكماليات.. تكلف في حفلات الزواج حتى بات الزواج من الأمور الشاقة.. تكلف في الضيافة حتى صارت الزيارات الأخوية ثقيلة.. تكلف في الملابس والإكسسوارات، وبذخ في الحفلات والمناسبات والمظاهر الاجتماعية، حتى في أسماء الأولاد خاصة البنات نتكلف لدرجة أننا نجد أسماءً غريبة وليس لها معنى، كل ذلك من أجل التكلف والبحث عن أسماء شاذة.

 

وفي ذم التكلف قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: (نهينا عن التكلف) والناهي هو الرسول الكريم فإذا قال الصحابي نهينا فكأنه قال نهانا الرسول صلى الله عليه وسلم عن التكلف.. وقالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، كُل، جعلني الله فداك، مُتَّكئًا؛ فإنه أهون عليك.. قال: لا، بل آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد".

 

التكلف هو أن تتكلف حالًا ليست لك، كأن تتزيَّا بمال غيرك، وهو تعاطي ما فيه مشقَّة قولًا كان أو فعلًا.. والتكلّف الاجتماعي؛ سعي الناس للعيش في مستوى معيشي أكبر من إمكانياتهم المادية سواء لوقت محدود أو بشكل دائم.

 

التكلف شاق ومذموم في كل نواحي الحياة.. اوله سلبيات كثيرة؛ فهو طريق لإغراق المرء في الديون، وفيه تعسير الأمور الحياتية السهلة، ومنه تخلق العادات السيئة.

 

سر جمال الحياة يكمن في "البساطةُ"، فالحياة سهلة وعيشها يسير إن رأيتها كذلك، لكن الناس بتكلفهم وتشدداتهم يصنعون الصعوبات ويعقدون السهل، ومن أجل "البساطة" والبعد عن التكلف كانت القناعة كنز لا يفنى، وأول درجة في سلم الراحة أن تتقبل ذاتك وتعيش بواقعية لا تصنع فيها.

 

* قفلة

قال أبو البندري غفر الله له:

البساطة فن، قال شاعر شعبي:

ما ميّز الماضين غير البساطة          وما خرّب التالين غير التكلّف

ولكم تحياتي،،،

___________________________________________

·        كاتب صحفي

 

للتواصل

تويتر: @alomary2008

إيميل: alomary2008@gmail.com

نشر في اليوم، الأربعاء 19 /7/ 1445 – 31 /1/ 2024

وغلقت الأبواب

 

وغلقت الأبواب

علي بطيح العُمري

تبدأ قصة النبي يوسف عليه السلام مع "زليخة" بعدما قام زوجها بشراء يوسف كعبد مملوك فقال لها: "أكرِمي مَثواه عسى أن يَنفَعَنَا أَو نَتّخذَه ولَدا"، فأحيط يوسف بعناية العزيز وزوجته.. ولما كبر ورأته شابًا وسيماً فتنت به: "وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ".. أي تهيأت لك.

 لم يكن فيلمًا أو لقطة من مسلسل باذخ بل كان مشهدًا حقيقيًا خلّده القرآن، "زليخة" أجمل نساء مصر في حينها، مع الصدِّيق الذي أوتي شطر الجمال.. لكن يوسف لم يأبه بالجمال.

تسربت أخبار "زليخة" إلى جيرانها: "وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُّبِين"، ولأن زليخة تعرف طبيعة النساء قامت بدعوتهن إلى وليمة لتفتنهن بيوسف، فأمرته أن يمر من أمام النسوة: (فَلمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيم * قَالَتْ فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيه".

دخل يوسف السجن بتهمة التحرش بالنساء، ولبث في السجن بضع سنين ليخرج بعدها بريئًا باعتراف "زليخة" وصديقاتها، وتمضي أقدار الله ليكون يوسف عزيز مصر.

 

ومن قصة "زليخة" تعلمت:

* النساء اللاتي قد تلتقيهن.. منهم من تكون على نمط فتاة موسى "تمشي على استحياء" ومنهم من تكون على شاكلة زليخة "هيت لك" مع معلومية أن زليخة لم تكن بائعة هوى فالقرآن نسب إليها مراودة يوسف ولم يتهمها بالوقوع في الزنا وأنها تابت واعترفت ويرى بعض العلماء كابن كثير أن يوسف تزوجها كما في الإسرائيليات.

 

 * أن المعصوم من عصمه الله، والمفتون من تركه الله لشهواته، ومن كان مع الله لن يخيب.

* في الحياة هناك حرب بين الحق والباطل لا تهدأ أبدًا، الأسماء والأماكن هي التي تتغير فقط، صراعك مع (زليخات) اليوم هو صراع العفة والشهوة في كل عصر.

 

* العالم كله لا يمكنه أن يجبرك على فعل ما لا تريد فعله، فتوقف عن التعلل بالظروف.

 

* الناس قد يلبسونك تهمة ويلفقون لك قضية حتى ولو كنت نزيهًا.

* الخلوة بالنساء الأجنبيات خطر، والغزل يبدأ بابتسامة فكلام فموعد فلقاء.

* "وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَاب"، المعاصي في كل زمان وتجدها في كل مكان تتهيأ لك، والموفق من عصمه الله وحكم عقله.

* "وَرَاوَدَتْه".. المراودة قد تأتيك في أشكال مختلفة، مال يطغيك، أو امرأة حسناء تخرفنك، أو صديق يحاول يوقعك في مشكلة، وشياطين الإنس لن يتركوك وشأنك.

* "وَاسْتَبَقَا الْبَاب"، كلاهما يسابق الآخر.. لكن واحد هارب من المعصية وآخر راغب فيها.. وعلى المرء الهروب والابتعاد عند تعرضه لأي فتنة مالية كانت أو جنسية.

 

* قفلة

قال أبو البندري غفر الله له:

الفرار من المعصية (نجاة).. والفرار إلى المعصية (هلاك)!

ولكم تحياتي،،،

___________________________________________

·        كاتب صحفي

 

للتواصل

تويتر: @alomary2008

إيميل: alomary2008@gmail.com

نشر في اليوم، الأربعاء 12 /7/ 1445 – 24 /1/ 2024