النقطة السوداء في الصفحة البيضاء!
علي بطيح العُمري
ما أقسى الناس في حكمهم وفهمهم وتعاطيهم لحياة
الآخرين..
ما أقساهم حينما تكون حياتك مكللة بالإنجازات لكنهم لا
يحفظون الا سقطة سقطتها ذات مرة..
ويل لهم.. لما يكون إبداعك يتلألأ لكل ذي عينين لكنهم
لا يبصرون الا النقطة السوداء في صفحات أعمالك البيضاء.
قلت هذا الكلام أثناء قراءة عابرة لشخصية العالم المسلم
الأندلسي عباس بن فرناس رحمه الله..
عاش متنقلاً بين البلدان طلباً للمعرفة.. وتميّز
بالموهبة؛ فكان يحبّ تفكيك الآلات، وإعادة تركيبها مرة أخرى، وكان مهتماً بالشعر
والفيزياء والهندسة والفلك.. وينسب له اختراعات منها؛ الساعة المائية التي سماها
"الميقات"، وصنع عدة أدوات لمراقبة النجوم.. وساهم ابن فرناس في تطوير
الكتابة عن طريق اختراعه لقلم الحِبر.
ويعد ابن فرناس أوّل من اخترع آلة طيران وقد استوحى
فكرتها من قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ
وَيَقْبِضْنَ )، ففهم هذه الآية وعرف أن أجنحة الطيور هي التي تُمكّنها من
الطيران، وتُثبّتها في الجو، فصنع أجنحة من الريش، ثمّ انطلق في أول محاولة طيران،
غير أنه واجه صعوبة في الهبوط كان سببها عدم التفاتته إلى ضرورة صناعة ذيلٍ يساعده
على الهبوط الآمن، مما تسبب في سقوطه، وإصابته ببعض الكسور ولم تتسبب في موته كما
أُشِيع.
هل رأيتم؟..
عالم له أعمال واختراعات متعددة ونبوغ في عدة مجالات
لكن الناس لم يحفظوا عنه إلا محاولته الطيران وسقوطه على الأرض.. رغم أنها لا تعد
فشلاً بالمعنى الحقيقي؛ لأنه تطبيق يحتاج الي تعديل حتى تُنفذ التجربة، ولأن
المحاولة وتكرار التجارب من صفات الموهوبين.
لكن.. هكذا هم الناس لا يتذكرون إلا السيء.. ولا يلفت
انتباههم إلا السقوط، ولا يطيرون في الآفاق إلا بالتفاهات.
من الخطأ يا سادة أن تركز على عثرة واحدة وتتغاضى عن
العشرات من أفعال الآخرين الناجحة.. وقس على هذا من ينسى كل ماضيك الجميل مقابل
موقف سيء لم يعجبه.
صدق من قال: لو أصبت ( 99 ) مرة وأخطأت مرة واحدة لنسي
الناس الـ ( 99 ) وحاسبوك على الواحدة، وعلى هذا المنوال فـ
"البشر لا يتذكرون ما قمت به من أجلهم بل يتذكرون ما لم تستطيع القيام
به" كما قال الأديب "وليم شكسبير".
* قفلة..
قال أبو البندري غفر الله له:
كلام الناس مثل الكتاب.. اقرأه.. لكن لا تصدق كل ما
فيه!.
ولكم تحياتي،،،
_________________________________________________________
· كاتب صحفي
للتواصل
تويتر: @alomary2008
إيميل: alomary2008@gmail.com
نشر في اليوم، السبت 24 /12/ 1443 – 23 /7/
2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق